*صَرْخَةُ العَلّامَةِ الخَطِيبِ*
_بقلم: د.غازي قانصو_
*مَقالَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَطَنِيَّةٌ حَوْلَ خِطَابِ سَمَاحَةِ العَلّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الخَطِيبِ: “صَرْخَةٌ مَسْؤُولَةٌ فِي زَمَنِ العُدْوَانِ”*
*فِي زَمَنٍ يَتَرَاكَمُ فِيهِ الانْهِيارُ عَلَى شَفِيرِ وَطَنٍ يَتَأَرْجَحُ بَيْنَ الذِّكْرَى وَالعَدَمِ، بَيْنَ الأَمَانِ وَالعُدْوَانِ، وبَينَ الازْدِهَارِ وَالحِصَارِ، يَخْرُجُ صَوْتٌ هَادِئٌ فِي نَبْرَتِهِ، عَمِيقٌ فِي حِكْمَتِهِ، صَارِمٌ فِي تَحْذِيرِهِ، هُوَ صَوْتُ سَمَاحَةِ العَلّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الخَطِيبِ، نَائِبِ رَئِيسِ المَجْلِسِ الإِسْلَامِيِّ الشِّيعِيِّ الأَعْلَى، لِيَضَعَ الإِصْبَعَ عَلَى الجُرْحِ النَّازِفِ، وَيُطْلِقَ صَرْخَةَ رَجُلٍ مَسْؤُولٍ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ رَجُلَ دِينٍ.*
*مَضْمُونُ الخِطَاب:*
في خُطبةِ الجمعةِ الواقع فيه ٢٣ أيار ٢٠٢٥م، جاءَ كلامُ سماحة العلّامة الشيخ علي الخطيب صارخًا يضعُ الأناملُ على الجراح التي يعاني منها اهل الوطن اللبناني في الجنوب والبقاع والضاحية، فأشار إلى اهم النقاط المؤلمة فهي عنوان ُ التقصير، مُحَذِّرًا من استمرارٍ الوضعِ على ما هو عليه، فاللصبرِ حُدُودٌ، ونصح بأن لا يجرب شعبَ المقاومةِ أحدٌ، فَهُم أبناءُ كربلاء. (وَليَسمَع من ينبغي أن يسمع )
*اسْتَنْكَرَ سماحتُه الحِصَارَ المَالِيَّ عَلَى الطَّائِفَةِ الإِسْلَامِيَّةِ الشِّيعِيَّةِ، وَعَدَمَ إِعَادَةِ إِعْمَارِ مَا دَمَّرَهُ العَدُوُّ، كَمَا اسْتَنْكَرَ اسْتِمْرَارَ العُدْوَانِ الحَرْبِيِّ عَلَى أَبْنَاءِ الشَّعْبِ اللُّبْنَانِيِّ فِي الجَنُوبِ وَالبِقَاعِ وَالضَّاحِيَةِ عَلَى الرَّغْمِ مِنِ اتِّفَاقِ وَقْفِ إِطْلَاقِ النَّارِ، وَمَا يَحْصُلُ فِي المَطَارِ مِنْ إِسَاءَةٍ لِلْوَافِدِينَ وَالزَّائِرِينَ مِنَ العِرَاقِ وَإِيرَانَ، وَالتَّصْرِيحَاتِ المُؤْذِيَةِ بِحَقِّ أَبْنَاءِ الطَّائِفَةِ الشِّيعِيَّةِ مِنْ أَهَمِّ مُكَوِّنَاتِ الكِيَانِ اللُّبْنَانِيِّ، مُشِيرًا إِلَى الَّذِينَ ضَرَبُوا عَلَى صُدُورِهِمْ بِإِعْطَاءِ التَّعَهُّدَاتِ وَلَمْ يَقِفُوا عِنْدَ مَا قَالُوا، كَمَا اسْتَنْكَرَ الَّذِينَ يُلْغُونَ دَوْمًا بِلُغَةِ سَحْبِ السِّلَاحِ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ سَوْقَنَا إِلَى الذَّبْحِ، وَهَذَا لَنْ يَكُونَ مَا دَامَ السِّلَاحُ فِي أَيْدِينَا وَعَدُوُّنَا المُجْرِمُ يُهَدِّدُ وَيُرْعِدُ.*
*خِطَابُ صاحِبُ السّماحةِ العلّامة الشَّيْخِ الخَطِيبِ لَيْسَ رَدَّ فِعْلٍ عَابِرٍ عَلَى حَادِثَةٍ أَوْ عَلَى تَصَرُّفٍ طَائِشٍ، بَلْ (هُوَ لِسَانُ حالِ النّاس)، إنَّهُ مَوْقِفٌ بِنْيَوِيٌّ يَقْرَأُ الوَاقِعَ اللُّبْنَانِيَّ بِعَيْنٍ وَاعِيَةٍ، وَعَقْلٍ مَوْزُونٍ، وَقَلْبٍ غَاضِبٍ، يَسْتَشْعِرُ الخَطَرَ القَادِمَ مِنْ تَرَاكُمِ الإِهْمَالِ، وَتَمَادِي التَّمْيِيزِ، وَتَنَامِي لُغةِ الِانْفِصَالِ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِ الوَطَنِ الوَاحِدِ. هُوَ خِطَابُ إِنْذَارٍ، لَا تَحْرِيضٍ، وَتَحْفِيزٍ عَلَى الإِصْلَاحِ، لَا عَلَى الِانْقِسَامِ، على المشاركةِ لا على الاستفرادِ، على الوحدة الوطنية لا على التّنابُذ، على العيش المشترك لا على التّباعُد.*
*لَقَدْ رَفَضَ سَمَاحَتُهُ بِوُضُوحٍ كُلَّ أَشْكَالِ الحِصَارِ المَالِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ وَالمَعْنَوِيِّ المَفْرُوضِ عَلَى الطَّائِفَةِ الشِّيعِيَّةِ، وَرَفَضَ أَنْ يُخْتَزَلَ الوَطَنُ بِإِرَادَةِ فِئَاتٍ وَاسْتِبْعَادِ فِئَةٍ، أَوْ أَنْ تُخْتَزَلَ الدَّوْلَةُ فِي تَسْوِيَاتٍ تَفْتَقِرُ إِلَى الحَدِّ الأَدْنَى مِنَ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ. اسْتَنْكَرَ اسْتِهْدَافَ المُكَوِّنِ الشِّيْعِيِّ، لَا مِنْ مَوْقِعٍ طَائِفِيٍّ، بَلْ مِنْ مَوْقِعٍ وَطَنِيٍّ يَرَى أَنَّ أَيَّ إِقْصَاءٍ لِطَرَفٍ هُوَ تَقْوِيضٌ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الكِيَانِ اللُّبْنَانِيِّ المُتَعَدِّدِ.*
فِي عُمْقِ خِطَابِهِ، يُحَدِّدُ الشَّيْخُ الخَطِيبُ أُسُسًا لِإِدَارَةِ المَلَفَّاتِ السِّيَاسِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ، تَتَمَثَّلُ فِي: ضَرُورَةِ التَّعَامُلِ الجَادِّ مَعَ الوُعُودِ وَالعُهُودِ؛ احْتِرَامِ مَبْدَإِ المُوَاطَنَةِ المُتَسَاوِيَةِ؛ إِعَادَةِ النَّظَرِ فِي سِيَاسَاتِ التَّهْمِيشِ وَالإِهْمَالِ؛ وَوَقْفِ الِاسْتِفْزَازِ السِّيَاسِيِّ الَّذِي يُهَدِّدُ اسْتِقْرَارَ البِلَادِ. فَالشُّعُورُ بِالخُذْلَانِ مِنْ قِبَلِ مَنْ يُفْتَرَضُ أَنَّهُمْ “شُرَكَاءُ السُّلْطَةِ” لَيْسَ مَجَرَّدَ انْطِبَاعٍ، بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ تَتَرَاكَمُ فِي وِجْدَانِ النَّاسِ.
*حَذَارِ، وَنَصَحَ أَنْ لَا يُجَرِّبَنَا أَحَدٌ، فَقَدْ جَرَّبْتُمُونَا مِنْ قَبْلُ، وَعَرَفْتُمْ بَأْسَنَا وَصَبْرَنَا، فَنَحْنُ أَبْنَاءُ كَرْبَلَاءَ،……. (وَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهَا، تَعْرِفُونَ أَبْطَالَهَا وَشُهَدَاءَهَا وَتَعْرِفُونَنَا أَيْضًا).*
وَلَعَلَّ أَهَمَّ مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الصَّرْخَةِ هُوَ التَّحْذِيرُ مِنَ الِاسْتِمْرَارِ فِي هَذَا النَّهْجِ الِاسْتِعْلَائِيِّ فِي إِدَارَةِ شُؤُونِ النَّاسِ، ذَلِكَ لِأَنَّ الصَّبْرَ لَهُ حُدُودٌ، وَالوَطَنَ لَا يُدَارُ بِالتَّمْيِيزِ بَلْ بِالعَدَالَةِ، وَلَا يُحْمَى بِالتَّهَرُّبِ بَلْ بِالشَّرَاكَةِ. كَمَا يُذَكِّرُ سَمَاحَتُهُ بِأَنَّ اللُّبْنَانِيِّينَ الشِّيعَةَ، وَرَغْمَ الجِرَاحِ، مَا زَالُوا أَوْفِيَاءَ لِلْوَطَنِ، يُشَارِكُونَ فِي بِنَائِهِ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى أَلَمِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى اسْتِعدَادٍ لِتَقْدِيمِ رِقَابِهِمْ لِمَنْ لَا يَفِي بِالْتِزَامِهِ أَوْ لَا يَحْتَرِمُ إِرَادَتَهُمْ.*
*إِنَّ خِطَابَ العَلّامَةِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ الخَطِيبِ هُوَ صَرْخَةُ مَنْ يَرَى الوَطَنَ يَقْتَرِبُ مِنْ هَاوِيَةِ الانْفِجَارِ الِاجْتِمَاعِيِّ، بِسَبَبِ سِيَاسَةِ إِدَارَةِ الظَّهْرِ لِلمُكَوِّنَاتِ اللُّبْنَانِيَّةِ، أَوْ لِإِحدَاهَا، وَالتَّعَامِي عَنِ التَّهْمِيشِ، وَبَيْعِ الوَقْتِ بِوُعُودٍ لَا تُصْرَفُ فِي مِيزَانِ الثِّقَةِ. وَهِيَ دَعْوَةٌ صَادِقَةٌ لِإِعَادَةِ الِاعْتِبَارِ إِلَى مَنْطِقِ الدَّوْلَةِ الجَامِعَةِ، وَالعَوْدَةِ إِلَى صِيغَةِ العَيْشِ المُشْتَرَكِ القَائِمَةِ عَلَى الشَّرَاكَةِ وَالِاحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ.*
*وَعَلَيْهِ، نُوصِي بِأَخْذِ خِطَابِ العَلّامَةِ الشَّيْخِ الخَطِيبِ كَنُقْطَةِ تَحَوُّلٍ وَمَرْجِعٍ حَاسِمٍ فِي إِعَادَةِ تَصْوِيبِ إِدَارَةِ المَلَفَّاتِ الوَطَنِيَّةِ، وَالتَّأْسِيسِ لِنَهْجٍ مَسْؤُولٍ يَتَجَاوَزُ الطَّوَائِفَ إِلَى الوَطَنِ، وَيَتَجَاوَزُ المُرَاوَغَةَ إِلَى العَمَلِ، قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَانِ.*
*مَعَ تَحِيَّاتِي،*
د. غَازِي مُنِير قَانْصُو
عُضْوُ اللَّجْنَةِ الوَطَنِيَّةِ لِلحِوَارِ الإِسْلَامِيِّ المَسِيحِيِّ
الِاثْنَيْنَ ٢٦ أَيَّار ٢٠٢٥