أكد وزير المال ياسين جابر في حديث لصحيفة “الاخبار” أنّ زيادة الاستثمارات في الموازنة تتطلب تأمين مداخيل جديدة، موضحاً أنّ التوصية الأساسية لصندوق النقد الدولي هي التوازن وعدم القبول بعجز في الموازنة. وقال: “إذا أردنا تأمين أموال لإقامة مشاريع استثمارية أخرى، علينا زيادة الضرائب على الناس. لكننا قمنا بخيار ثانٍ عبر قروض طويلة الأجل (30 سنة) تصل إلى مليار دولار، بفوائد مخفضة، و8 سنوات سماح. هذه الأموال ستذهب على المشاريع الاستثمارية”.
وأشار إلى أنّ التوجه الحالي هو نحو إعادة هيكلة قطاع الطاقة، لافتاً إلى أنّ مفتاح هذا المشروع اسمه الهيئة الناظمة للقطاع. وأضاف أنّه في نهاية المطاف سيبقى قطاع النقل في شبكة الكهرباء بيد الدولة، فيما سيتحول قطاع التوليد بعد تشركة مؤسسة كهرباء لبنان إلى رخص لشركات خاصة مثل “سيمنز” وغيرها، على أن تُعطى الجباية والتوزيع للقطاع الخاص، “لأنّ مشكلة الكهرباء الأساسية أنّ الجباية تُحمّل الدولة أعباء كبيرة منها ثمن الوقود اللازم للإنتاج والذي أنفقنا عليه عشرات المليارات من الدولارات”.
وأوضح جابر أنّ السياسة الأساسية التي تبنتها الحكومة هي عدم تخصيص أموال من الخزينة للكهرباء. وكشف عن قرض بقيمة 250 مليون دولار سيستثمر في قطاع نقل الكهرباء بسبب أعطال الشبكات وغرف التحكّم، إضافة إلى قرض بقيمة 257 مليون دولار لاستكمال مشروع المياه في بيروت الكبرى، وقرض بقيمة 200 مليون دولار للزراعة، فضلاً عن قرض لإعادة الإعمار.
وقال وزير المال: “نحن هنا من 7 أشهر. روّقوا علينا شوي. لدينا الكثير من الأفكار التي تحتاج وقتاً. لا أحد يقدّر حجم الاهتراء في مؤسّسات الدولة. في الأبنية الحكومية ستجد مصاعد معطلة وكهرباء غير موجودة وملفات متراكمة. نجرّب نفض الأمور تدريجياً”.
وأشار إلى أنّ أجهزة المعلوماتية في الدوائر العقارية لم تُحدّث منذ عام 2005، وأنّ العمل جارٍ على مكننة المالية العامة، حيث يُفترض أن ينتهي العمل في الجمارك خلال تشرين الثاني. وأضاف: “قبل التفتيش عن الموارد المفقودة بسبب الاهتراء، لماذا عليّ وضع ضرائب جديدة؟ يجب استنفاد قدرتي على تحسين الجباية”.
وأكد: “أنا لا أضع نظريات، بل أقوم بخطوات عملية. فإذا لم أتمكن من الإشراف، وليس لديّ دعم تقني، ولا نظام معلوماتية جديد، لا يمكنني تحسين الجمارك. الآن، نقوم بتغيير كلّ النظام الذي يتعامل به الجمارك مع المستوردين. حالياً، التزوير شغال. لو زدنا رسماً ما، إنّما ليست لدينا القدرة على تنفيذه، فلن ننجح. عملنا هو الإصلاح الحقيقي لا النظري”.
شدّد جابر على أنّ الأولوية تكمن في تحقيق نسب الضرائب الحالية قبل التفكير بضرائب إضافية، قائلاً: “مثلاً لرفع الضريبة على الشركات من 17% إلى 25%، يجب تحصيل نسبة الـ17%. البنية التحتية تمكّن من تنفيذ السياسات. الآن لدينا نظام ضريبي، ولكن هل يطبق؟ كلا لا يطبق، هناك ألف شركة لم تدفع الضريبة على القيمة المضافة المستحقة عليها”.
وتابع: “نريد بناء إدارة قادرة على التعاطي بفعالية على المطلوب منها، ثمّ نرى التغييرات المطلوبة. لبنان يعاني من انعدام الثقة بسبب الظروف الأمنية، بالتالي هل الوقت مناسب لفرض ضرائب إضافية على الناس ودفعها للهرب؟ إجابتي، كلا. اقترحوا ضرائب جديدة للاستفادة منها”.
وأعطى مثلاً عن بريطانيا قائلاً: “كان لديهم سياسة اسمها non dom (ويسمح هذا القانون الضريبي للمقيمين في بريطانيا ويعملون خارجها بعدم دفع ضرائب على مداخيلهم، وهو يفيد كثيراً الأغنياء، إذ يعطيهم إعفاءات ضريبية كبيرة). وبعد إيقاف العمل بهذه السياسة، هرب الناس (الأغنياء) من بريطانيا، واتجهوا نحو دبي وسويسرا وإيطاليا الذين غيّروا نظامهم الضريبي”.
وأضاف: “لا يزال لبنان في غرفة العناية الفائقة. ومع الوقت يجوز إدخال تغييرات، إنّما الآن الوقت مناسب لإقناع الناس بالبقاء أو العودة. فرض ضرائب عالية في هذا الوقت مش راكبة”.
كشف جابر أنّ هناك مبالغ جيدة في احتياطي الموازنة يمكن استخدامها لإعادة الإعمار، تصل إلى 70 مليون دولار. وقال: “من أسبوعين أعطينا مجلس الجنوب 18 مليون دولار لاستكمال أعمال إزالة الردم”.
وبشأن الأبنية المتصدعة إنشائياً في الضاحية، وعددها 500 مبنى، أوضح أنّ كلفة إعادة تأهيلها تقدَّر بما بين 40 مليون دولار و50 مليون دولار، وأضاف: “أعطيتهم الآن 200 مليار ليرة لوضع دراسة بالتنسيق بين خطيب وعلمي واتحاد بلديات الضاحية (قالوا إن الدراسة موجودة لكننا اكتشفنا أنها غير موجودة). وهناك 10 ملايين دولار للهيئة العليا للإغاثة يمكن صرفها الآن، و10 ملايين أخرى لاحقاً”.
وتابع: “لكن مشروع إعادة الإعمار الشامل، وكلفته 4 مليارات دولار، لا يمكننا الدخول فيه، بل نحن في انتظار صدور قانون إنشاء صندوق إعادة الإعمار الذي نأمل إقراره في اللجان المشتركة لتسريع إنشائه. أما القرض من البنك الدولي لإعمار البنية التحتية بـ250 مليون دولار، فستضاف إليه 85 مليون دولار من فرنسا. كما عرفنا أن المبلغ ليس سوى دفعة أولى لصندوق يجب أن يصل إليه مليار دولار، ونحن موعودون بمبالغ إضافية من صناديق عربية”.
أوضح وزير المال أنّ هذه الأموال بالليرة اللبنانية، وإذا عُوِّم السوق بالليرة نخشى على استقرار سعر الصرف. وقال: “مثلاً عندما دفعنا منحة العسكريين، قضينا شهراً في المفاوضات مع المركزي على كميّة الدولارات التي سيشتريها، وهذا ما ألزمنا بحجم المنحة من 12 مليون ليرة إلى 14 مليون ليرة”.
وأضاف: “الدولة تدفع بالليرة، مصرف لبنان يشتري الليرات ويضخ دولارات بدلاً منها. نخاف لأننا لا نزال في غرفة النقاهة. لدينا عجز في ميزان المدفوعات ولا يوجد فوائض، وهذا ما يدفع الدولة إلى دفع الرواتب والأجور بالدولار. وارتفاع الاستيراد يؤدي أيضاً إلى زيادة العجز في ميزان المدفوعات. نعيش كلّ يوم بيومه. تبعاً للأخبار الجيّدة يرتفع عدد القادمين. وهناك تشديد على التحويلات. الناس خائفون من المصارف، وفي الوقت نفسه علينا محاربة اقتصاد الكاش. لذا نوازن قدر الإمكان”.
وشدد على أنّ الموازنة تتعلق بالصرف والمدخول، وعلينا التوازن بينهما. وأضاف: “يترتب على لبنان استحقاقات للتسديد؛ مثلاً نتفاوض مع حاملي سندات اليوروبوندز، وعلينا أن ندفع ثمن النفط العراقي، وحقوق السحب الخاصة التي صرفت بشكل عشوائي ليست منحة، بل دين ندفع فوائد عليه ما بين 40 مليون دولار و50 مليون دولار سنوياً، ونجرب إقناعهم بتسديدها بالليرة، ولدينا المودعون ومساهمة الدولة في تحمّل جزء من خسائرهم. لذا، يجب ألا نشعر بأننا يمكن التصرف بالأموال كيف ما كان”.
رداً على سؤال عن سبب عدم المساهمة في إعادة ترميم الأبنية في الضاحية منذ أكثر من 6 أشهر، أجاب: “الأموال حاضرة، إنّما الدراسات الهندسية لم تكن جاهزة”. وأوضح أنّ لجنة وزارية تناقش موضوع إعادة الإعمار اجتمعت 3 مرات وأخذت قرارات، مشدداً على ضرورة التحضير ووضع الدراسات وعدم التصرف بعشوائية. وقال: “القطار وضع على السكة”.
وأشار إلى أنّ إعادة الإعمار من دون مساعدات خارجية صعب، فهي تحتاج إلى كميات كبيرة من الأموال فضلاً عن الاستقرار الأمني. وأضاف: “الزوار الذين يسألونني عن الإصلاحات، أسألهم عن فائدتها بلا استقرار ووقف إطلاق النار، فيسكتون. طالما أن عامل الاستقرار غير موجود، يبقى النقاش عند حدود ربطة الخبز”. وكشف أنه في اجتماعات واشنطن في نيسان الماضي، وخلال طاولة مستديرة خاصة بالإعمار، أجاب بوضوح: “نقوم بالإصلاحات من أجلنا وليس من أجلكم. في رأيي الإصلاحات ضرورية، إنما غير كافية من دون أمن وأمان ووقف الاعتداءات”.
وأشار إلى أنّ كلفة منحة العسكريين والمتقاعدين تبلغ 370 مليون دولار سنوياً، مؤكداً أنّ موضوع القطاع العام بأكمله مرتبط بتعافي الدولة والاتفاق مع صندوق النقد. وقال: “أقله اتفاق أولي على مستوى الموظفين. نعمل على جبهات عدّة، ونريد الموازنة بين الجميع. فإذا قررنا عدم التوقيع مع الصندوق سنفقد المفتاح المخصص للمساعدات، وقرار وضع برنامج مع الصندوق هو قرار حكومي وليس قراري، هناك شروط علينا الالتزام بها”.
تحدث جابر عن رواتب أعضاء الهيئات الناظمة، مشيراً إلى أنّ عددهم 15 شخصاً يتقاضى كل واحد منهم نحو 7 آلاف دولار شهرياً، أي إنّ الكلفة السنوية لا تتجاوز مليوناً و200 ألف دولار. لكنه اعتبر أنّه لا يمكن الإبقاء على الرواتب العالية جداً التي تُعطى في شركات الهاتف مثلاً. وقال: “قلت لموظفي الهيئات الناظمة خفّضوا رواتبكم. فماذا سأقول لمدير عام المالية العامة أو مسؤولة الموازنة التي تتقاضى 800 دولار شهرياً؟ هؤلاء متعاقدون، ما يعني أنه يمكن تقليص أجورهم. وقلتها لهم: يلي مش عاجبه يفلّ”.
وكشف أنّه رفض التوقيع على أرقام تتعلق بالإشراف على الامتحانات بعد أن طُلب مبالغ تصل إلى 25 ألف دولار للمشرف، قائلاً: “بقَصّ إيدي وما بمضيها”. وأكد في المقابل أنّه يريد زيادة رواتب القطاع العام، مشدداً على هذه النقطة.
وفي ما يتعلق بملف المفاوضات المالية، أشار إلى أنّ رئيس اللجنة هو رئيس الحكومة، ويشارك في كل اجتماع إلى جانب وزير المال ووزير الاقتصاد وحاكم مصرف لبنان. وأضاف: “أنشأنا فريقاً من المصرف المركزي مؤلّفاً من الحاكم ونوابه ولجنة الرقابة للعمل على إعداد المعطيات. نحن بانتظار التعديلات. نجتمع لمعرفة التقدّم ودراسة الأرقام ومدى إمكانية تطبيقها وتنفيذها”.
وكشف أنّ صندوق النقد الدولي يصر، كما الحكومة، على تراتبية توزيع الخسائر بحيث تتحمّل المصارف المسؤولية الأولى وفي آخرها المودعون. وأوضح أنّ هذه التراتبية لم تُكتب بوضوح في المادة 26 من قانون معالجة أوضاع المصارف، ما دفع الصندوق إلى الاعتراض والمطالبة بتعديل المادة. وقال: “على المصارف إعادة رسملة أنفسها وهذه مسؤوليتها الواضحة ولا مجال للمواربة. والدولة لن تدفع نقداً. ولدى مصرف لبنان 8 مليارات دولار”.
أوعز جابر بإنشاء فرق عمل للتفتيش عن متعهدي الحفلات الغنائية وملاحقتهم بتهمة التهرّب الضريبي وفقاً للقانون 44 الخاص بتبييض الأموال. وأوضح أنّ هؤلاء يستغلّون ثغرة في القانون تتيح لهم التسجيل في ضريبة القيمة المضافة ضمن حدود معينة من حجم العمل المالي. وقال: “كلما استنفدت هذه الشركة الحجم المالي الذي يمنحها الإعفاء من التسجيل، يؤسّسون شركة ثانية، وهكذا دواليك”.
وبيّن أنّ متعهدي الحفلات يدفعون رسم الطابع المالي على العقد بنسبة 8.5%، ثم 11% ضريبة قيمة مضافة على مبيع بطاقات الحفلات، و17% على الأرباح. لكنهم يتفادون دفع هذه المبالغ عبر تأسيس شركات جديدة لكل حفلة. وأعطى مثلاً بحفلة عمرو دياب مطلع الشهر الجاري التي حضرها 22 ألف شخص، حيث لم تسدّد الشركة المتعهدة ما عليها. وأكد أنّ “المالية ستعتبر المتعهدين الذين يستغلون هذه الثغرات القانونية مخططين للتهرّب الضريبي، وهذه جريمة، لا يكفي دفع الغرامات عليها”.
واعتبر جابر أنّ الاستيراد سيسجّل عجزاً قياسياً هذه السنة بسبب طفرة في الاستيراد التي يُتوقع أن ترتفع إلى 20 مليار دولار حتى نهاية السنة. وأوضح أنّ هذا الضغط المالي على ميزان المدفوعات سببه أيضاً استمرار لبنان في استيراد المازوت والبنزين لسوريا.