ذكرت مصادر ديبلوماسية لصحيفة “الجمهورية”، أنّ “المرحلة المقبلة في لبنان سيطغى عليها طابع التصعيد العسكري، وهذا ما بدأت تظهر ملامحه في التسخين المتزايد الذي لجأ إليه الإسرائيليون في الأيام الأخيرة في الجنوب، والذي تجلّى بتسريع وتيرة الضربات التي ينفّذونها ضدّ مواقع ومخازن لحزب الله والتصفيات التي تستهدف كوادره. لكن الضربة الأخيرة التي أدّت إلى وقوع مجزرة راحت ضحيتها عائلة، وبينهم ثلاثة أطفال، حملت إشارات تحوّل نوعي في ضربات إسرائيل، في المرحلة المقبلة”.
وتحدثت هذه المصادر عن “دوافع داخلية إسرائيلية تكمن خلف رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في تصعيد الجبهات في شكل شامل، أي في لبنان وغزة واليمن، وتتمثل باضطراره إلى الهرب من إحراجاته الداخلية، مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي السنة المقبلة. وتخشى المصادر أن يبادر نتانياهو إلى إطلاق دورة العنف في غضون الشهر الحالي، وتحديداً عند عودته من اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. وهو سبق أن هدّد بحسم جبهة غزة خلال أيام معدود”.
وفي هذه الأثناء، أكّد مرجع سياسي لـ”الجمهورية”، انّ الموقف الذي أعلنه الموفد الأميركي توم برّاك حول لبنان، هي في الحدّ الأدنى ليست مناسبة ولا لائقة، “حتى لا نستخدم لغة غير ديبلوماسية”. وأشار المرجع إلى انّه سيعتبر انّ تصريح برّاك النافر ليس معبّراً بالضرورة عن حقيقة الموقف الرسمي الأميركي، مبدياً في الوقت نفسه أسفه لتساهل واشنطن المفرط مع تل ابيب، والذي يشجع نتنياهو على التمادي في سياساته العدوانية.
إلى ذلك، أشارت صحيفة “الأخبار”، إلى أنّ “إعادة وضع الملف اللبناني على الطاولة تشكّل اليوم أولوية لدى إسرائيل. ليس لأن هناك خطراً داهماً يستوجب المعالجة، بل لأن العجز حتى الآن عن استثمار الحرب الإسرائيلية على لبنان داخلياً، يُعد جرس إنذار لدى دوائر القرار في تل أبيب. وهذا الأمر يبدو أنه عاد إلى واجهة النقاش بقوة داخل الأوساط الاستخباراتية والدبلوماسية، وحتى الإعلامية، في لبنان والكيان على حدّ سواء”.
وبحسب مصدر متابع للصحيفة، فإن الأمر يعود إلى جملة تطورات، أبرزها “ادّعاء جهات عربية وغربية تلقّيها معلومات استخباراتية، بعضها من مصادر إسرائيلية، تفيد بأن حزب الله يعمل بشكل مكثّف على إعادة ترميم قدراته العسكرية، ويعيد تنظيم صفوفه كاملة، وليس مؤسساته المدنية فحسب. كما أن الإجراءات التي ينفّذها الجيش اللبناني لا تحقّق النتائج المرجوّة”.
وأضافت: “تشير هذه الجهات إلى أن لدى إسرائيل معطيات واضحة حول ما يقوم به الحزب، وكانت تتوقّع أن تنجح الولايات المتحدة في إقناع السلطات اللبنانية الحليفة لها باتخاذ خطوات عملانية تمهّد لعملية نزع السلاح، ليس جنوب نهر الليطاني فحسب، بل شماله أيضاً، كما أعرب الجانب الأميركي عن خيبة أمله من جلسة الحكومة في 5 أيلول، ليس لأنها لم تمضِ قدماً في وضع خطة تنفيذية مرفقة بجدول زمني لِما سبق أن أقرّته في جلستَي 5 و7 آب، بل لأن واشنطن تنظر بقلق إلى ما وصفه المبعوث الأميركي توم برّاك بـ«الضعف الشديد» للقادة السياسيين في لبنان”.
وذكرت الصحيفة أنّ “إسرائيل ترى أنها غير معنيّة بالمهل الزمنية التي يُشاع أن الولايات المتحدة منحتها للبنان لإنجاز تسوية كبرى قبل نهاية العام الحالي. وقد أبلغت تل أبيب جميع الجهات، بمن فيهم برّاك خلال اجتماعه مع نتنياهو قبل أسابيع، بأنها غير ملزمة بأي ترتيبات من هذا النوع. وأكّدت أنها لن توافق على تعديل آلية عمل قواتها في لبنان، ولن تقدم على أي انسحاب، ولن تطلق سراح أسرى لبنانيين، فضلاً عن استمرارها في تنفيذ عمليات الاغتيال والغارات ضد ما تعتبره أهدافاً مشروعة”.
وأفادت صحيفة “الأخبار”، بأنّه “في ما يتعلّق بحزب الله، يبدي الغربيون، وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة، اهتماماً لا يقتصر على الجانب العسكري فقط. فقد سمعوا من مسؤولين كبار في الحكومة اللبنانية، في مقدّمهم رئيس الحكومة نواف سلام الذي عبّر عن دهشته من قدرة الحزب على إنفاق أكثر من مليار دولار خلال أقل من تسعة أشهر أعقبت اتفاق وقف إطلاق النار”.
وبجسب الصحيفة، فقد “أوضح سلام أن الحزب اعتمد آليات لتعويض المتضررين تعكس مستوى عالياً من التنظيم والإدارة، وتؤكد في الوقت نفسه توافر السيولة المالية لديه. وما يجري على الأرض، بحسب ما نُقل، لا يدل إطلاقاً على وجود أزمة مالية حقيقية لدى حزب الله، بل يوحي بأن طرق تدفّق الأموال إليه من الخارج لا تزال فاعلة، وأنه نجح في الالتفاف على الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، أو تلك التي فرضتها مؤسسات مالية وأمنية عربية ودولية”.
وأضافت الصحيفة: “هذه النقطة بالتحديد تحظى باهتمام خاص لدى الأميركيين، ولدى برّاك شخصياً، والذي وصل به الأمر في مقابلته الأخيرة إلى الحديث عن تدفّق ما يقارب 60 مليون دولار شهرياً إلى حزب الله، داعياً إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف هذا التمويل. وتزامنت تصريحاته مع كلام منسوب إليه، مفاده أن عملية إعادة الإعمار في الجنوب ستبقى رهينة قرار إسرائيلي، وأنه حتى لو أعلن حزب الله عزمه على عدم انتظار الدولة اللبنانية للبدء بالمشاريع، فإن الظروف الميدانية ستمنعه من تنفيذ خطته”.
وكشفت الصحيفة “أنّه “تشير النقاشات في الغرف المغلقة والتصريحات العلنية إلى أن الولايات المتحدة سلّمت الأمر لإسرائيل، واضعة على عاتقها إيجاد السبل لمعالجة هذه المشكلة”.
وأشار المتصلون بالجانب الأميركي، بحسب “الأخبار”، إلى أن “واشنطن تتصرّف على أساس أن إسرائيل ليست في وضع يمكن لأحد أن يفرض عليها خيارات سياسية أو عسكرية، وأن في الولايات المتحدة قناعة أو تسليماً، لا فرق، بأن إسرائيل اتّخذت لنفسها مساراً لن يقف على خاطر أحد، وأن من قرّر ونفّذ العدوان على قطر، لن يتردّد في القيام بما يعتقد أنه مناسب له، في لبنان أو غيره”.
وبحسب هؤلاء، “تسعى إسرائيل إلى شطب القرار 1701 من التداول، ومعه كل بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي جرى في تشرين الثاني الماضي، وفتح الباب أمام واقع جديد ينطلق من الاتفاق الذي ستصل إليه مع سوريا، خصوصاً أن الطلبات الإسرائيلية من سلطات دمشق الجديدة لا تقتصر على اتفاقات عامة أو ضمانات لفظية، بل تشمل فرض منطقة منزوعة السلاح في كامل الجنوب السوري وصولاً إلى مشارف العاصمة دمشق (على بعد نحو عشرة كيلومترات فقط)، إضافة إلى آلية للتواصل والمراقبة مع سكان هذه المنطقة”.