د. أكرم شمص
شهدت المنطقة في الفترة الأخيرة تصاعدًا في التوترات، خاصة بعد الأحداث التي طالت قادة حزب الله ومحور المقاومة. وعلى رأسهم سيد شهداء الامة الأمين العام السيد حسن نصر الله. تتضمن هذه التطورات اغتيالات واستهدافات تسعى إلى ضرب الهيكلية التنظيمية للمقاومة وإضعافها. بالمقابل يعمل حزب الله ومحور المقاومة الى العمل ضمن استراتيجيات دقيقة مستمدة من تجارب الصراع السابقة ومن الدروس المستخلصة من المواجهات مع العدو، لا سيما من حرب 2006 وتقرير “فينوغراد” الإسرائيلي.
وفي ظل التصعيد الأخير في المنطقة، يتجه حزب الله ومحور المقاومة نحو تحضير متسارع وشامل للرد على الاغتيالات والهجمات التي تستهدف القادة.
- التحضيرات الداخلية لحزب الله: الهيكلية القوية والاستجابة السريعة
يعتمد حزب الله على هيكلية تنظيمية متينة تم بناؤها عبر عقود، تتيح للمسؤولين تولي مهام القيادة في حال غياب القادة الكبار. تشير التقارير إلى أن الحزب قام بملء الشواغر بسرعة، وأن القيادة والسيطرة لا تزال تعمل بكفاءة. أكد نائب الأمين العام للحزب في تصريحاته الأخيرة أن “المقاومة بخير”، وأن “الخُطط مُعدّة مُسبقاً كما رسمها السيد”.
هذه الاستراتيجية تضمن استمرارية العمليات العسكرية وعدم تأثرها بالضربات الموجهة ضد القيادات. كما أن تفعيل صلاحيات المسؤولين الميدانيين يضمن قدرة الحزب على الرد بسرعة وفعالية على أي تهديدات.
- إعادة تشكيل الوحدات: الحفاظ على الجهوزية القتالية
تركز التحضيرات على إعادة تشكيل الوحدات العسكرية لضمان الجهوزية القتالية. بالرغم من محاولات العدو لضرب الهيكلية التنظيمية من خلال الاغتيالات، إلا أن الحزب يسارع إلى إعادة ترتيب صفوفه. يتم ذلك من خلال خطط مُعدّة مسبقاً، مما يحافظ على استمرارية العمليات. وأشار نائب الأمين العام إلى أن “المجاهدين على الحدود” و”جاهزون للحرب البرية”، مما يدل على الاستعداد لمواجهة أي تصعيد.
هذه المرونة تعكس مدى استعداد المقاومة للتكيف مع الظروف المتغيرة واستمرار العمليات بكفاءة عالية. وجود نواب للقادة القادرين على تنفيذ الخطط بدقة يضمن استمرارية العمليات دون أن تتأثر بالبنية القيادية، وهو ما يعزز الجهوزية والاستعداد للرد الفوري.
- إيران ومحور المقاومة: استعداد للتصعيد والرد المباشر
إيران تُعد لاعبًا رئيسيًا في دعم محور المقاومة، ولها دور حاسم في التحضيرات الحالية. اغتيال القادة الكبار يعكس رغبة إسرائيلية واضحة في تفكيك محور المقاومة بشكل كامل. هذه المحاولات تأتي بالتزامن مع تهديدات إسرائيل بضرب إيران مباشرة، وهو ما قد يدفع إيران إلى الرد المباشر.
إيران، التي تدعم حزب الله وجميع فصائل المقاومة في المنطقة، تواصل الإمدادات العسكرية والتنسيق الاستراتيجي من خلال خط الإمداد السوري. هذا التنسيق المستمر يعزز من قدرة المقاومة على الصمود والتصدي للهجمات، ويضع إيران في موقف قوي داخل محور المقاومة، مما قد يُجبرها على التدخل المباشر في حال تصاعدت التوترات.
- العراق واليمن وسوريا: أهمية في المعادلة الإقليمية
العراق واليمن وسوريا تلعب أدوارًا حاسمة في المعادلة الإقليمية. الحشد الشعبي في العراق، الذي يُعتبر جزءًا من محور المقاومة، يتعرض لضغوط متزايدة من الجانب الإسرائيلي، إلا أن قدرته على الرد تبقى قائمة.
أما اليمن، الذي يحاول العدو إخضاعه عبر الدعم الغربي والإسرائيلي، فلا يزال يتمتع بدعم قوي من التحالف الحوثي الذي يعزز من قوة محور المقاومة في المنطقة.
وفي سوريا، تحاول إسرائيل منذ سنوات إنهاء حكم الرئيس بشار الأسد كجزء من استراتيجيتها لضرب محور المقاومة، إلا أن سوريا تبقى شريانًا حيويًا لدعم المقاومة. دور سوريا المركزي في المحور يُعتبر أساسياً، خاصة في استمرار خطوط الإمداد والتنسيق الاستراتيجي.
- محور المقاومة: استعداد لرد استراتيجي شامل
من الواضح أن محور المقاومة يُجهز نفسه لرد استراتيجي كبير على المحاولات الإسرائيلية لتفكيكه. ورغم الضغوطات المتواصلة، لا يبدو أن المحور يتعرض لأي انهيار، بل يعزز من قوته ويتأهب لمرحلة جديدة من الصراع. الرد المنتظر سيكون مدمرًا واستراتيجيًا، ومن المتوقع أن يصل إلى عمق الأراضي المحتلة، محدثًا تغييرًا في موازين القوى.
- تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن: ازدواجية الموقف والدعم المطلق لإسرائيل
في أعقاب استشهاد السيد حسن نصر الله، جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن لتثير العديد من التساؤلات حول موقف الولايات المتحدة ودوافعها الحقيقية. اعتبر بايدن استشهاد نصر الله “تحقيقًا للعدالة”، مما يعكس دعمًا مطلقًا لإسرائيل. هذا التصريح يعكس ازدواجية في الموقف الأمريكي، إذ يسعى بايدن إلى تقديم نفسه كوسيط للسلام، بينما يعزز في الوقت نفسه الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
تناقض هذه التصريحات يظهر بوضوح في موقف بايدن من المقاومة، حيث يسعى إلى تصوير سماحة السيد حسن نصر الله كعدو مشترك للبنانيين والإسرائيليين، متجاهلاً حقيقة أن نصر الله يحظى بدعم شعبي واسع في لبنان والمنطقة.
- المقاومة: صمود مستمر رغم التحديات
يشير تحليل الأحداث إلى أن محور المقاومة يجمع قواه للرد على الهجمات الأخيرة. التحضيرات تشمل تعزيز القدرات العسكرية والاستعداد لأي تصعيد محتمل. أكد نائب الأمين العام لحزب الله أن “المقاومة بخير”، وأنهم “لا زالوا يعملون بأقل الإمكانيات بما يقتضيه الميدان”، مما يشير إلى الثقة بقدرة المقاومة على مواجهة التحديات.
رغم اغتيال القادة، يستمر حزب الله في ممارسة عملياته العسكرية بكفاءة وفعالية. القيادة في الحزب لم تتأثر بشكل كبير بفقدان القادة الكبار، مما يعكس قوة التنظيم والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. القدرة على الاستمرار في توجيه ضربات ضد العدو حتى في ظل هذه الظروف يعكس مدى قوة المقاومة واستعدادها لمواصلة القتال.
الخلاصة
تواجه المنطقة مرحلة حرجة تتسم بتصاعد التوترات والتحديات. يعتمد حزب الله ومحور المقاومة على استراتيجيات متعددة المستويات لضمان استمرارية العمليات والرد على التهديدات. في ظل التصريحات الدولية الداعمة لإسرائيل، يبقى الصراع مفتوحًا على احتمالات عدة، مما يستدعي تحليلًا دقيقًا ومتابعة مستمرة للتطورات.
الصراع في المنطقة يزداد تعقيدًا، ومحور المقاومة يستعد لرد استراتيجي شامل في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لتفكيكه. في ظل التوترات الحالية، من المتوقع أن يكون الرد القادم من المقاومة حاسمًا ومدمرًا، مما قد يعيد رسم خريطة الصراع في المنطقة.
تصريحات بايدن ودعمه المطلق لإسرائيل، تعكس مباركة أمريكية لعملية اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وشريكا أساسيا في حرب الإبادة ضد غزة ولبنان مقابل التحضيرات المكثفة لمحور المقاومة تصعيدًا محتملاً قد يؤدي إلى مواجهة شاملة بين الطرفين. مع استمرار دعم إيران والمحور، يبدو أن المقاومة لن تتراجع، بل على العكس، تستعد لمرحلة جديدة من المواجهة التي قد تقلب موازين القوى في المنطقة لصالحها.